فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ}.
اعلم أن هذا من بقية دعاء موسى صلى الله عليه وسلم عند مشاهدة الرجفة.
فقوله: {واكتب لَنَا في هذه الدنيا حَسَنَةً} معناه أنه قرر أولًا أنه لا ولى له إلا الله تعالى وهو قوله: {أَنتَ وَلِيُّنَا} ثم إن المتوقع من الولي والناصر أمران: أحدهما: دفع الضرر.
والثاني: تحصيل النفع، ودفع الضرر مقدم على تحصيل النفع، فلهذا السبب بدأ بطلب دفع الضرر، وهو قوله: {فاغفر لَنَا وارحمنا} ثم أتبعه بطلب تحصيل النفع وهو قوله: {واكتب لَنَا في هذه الدنيا حَسَنَةً وَفِي الأخرة} وقوله: {واكتب} أي وجب لنا والكتابة تذكر بمعنى الإيجاب وسؤاله الحسنة في الدنيا والآخرة كسؤال المؤمنين من هذه الأمة حيث أخبر الله تعالى عنهم في قوله: {وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا ءاتِنَا في الدنيا حَسَنَةً وَفِي الاخرة حَسَنَةً} [البقرة: 201].
واعلم أن كونه تعالى وليًا للعبد يناسب أن يطلب العبد منه دفع المضار وتحصيل المنافع ليظهر آثار كرمه وفضله وإلهيته، وأيضًا اشتغال العبد بالتوبة والخضوع والخشوع يناسب طلب هذه الأشياء، فذكر السبب الأول أولًا، وهو كونه تعالى وليًا له وفرع عليه طلب هذه الأشياء، ثم ذكر بعده السبب الثاني، وهو اشتغال العبد بالتوبة والخضوع فقال: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} قال المفسرون: {هُدْنَا} أي تبنا ورجعنا إليك، قال الليث: الهود التوبة، وإنما ذكر هذا السبب أيضًا لأن السبب الذي يقتضي حسن طلب هذه الأشياء ليس إلا مجموع هذين الأمرين كونه إلهًا وربًا ووليًا، وكوننا عبيدًا له تائبين خاضعين خاشعين، فالأول: عهد عزة الربوبية.
والثاني: عهد ذلة العبودية، فإذا حصلا واجتمعا فلا سبب أقوى منهما.
ولما حكى الله تعالى دعاء موسى عليه السلام ذكر بعده ما كان جوابًا لموسى عليه السلام، فقال تعالى: {قال عَذَابِى أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ} معناه إني أعذب من أشاء وليس لأحد علي اعتراض لأن الكل ملكي، ومن تصرف في خالص ملكه فليس لأحد أن يعترض عليه، وقرأ الحسن {مَنْ أَسَاء} من الإساءة، واختار الشافعي هذه القراءة وقوله: {وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء} فيه أقوال كثيرة.
قيل المراد من قوله: {وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء} هو أن رحمته في الدنيا عمت الكل، وأما في الآخرة فهي مختصة بالمؤمنين وإليه الإشارة بقوله: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} وقيل: الوجود خير من العدم، وعلى هذا التقدير فلا موجود إلا وقد وصل إليه رحمته وأقل المراتب وجوده، وقيل الخير مطلوب بالذات، والشر مطلوب بالعرض وما بالذات راجح غالب، وما بالعرض مرجوح مغلوب، وقال المعتزلة: الرحمة عبارة عن إرادة الخير، ولا حي إلا وقد خلقه الله تعالى للرحمة واللذة والخير لأنه إن كان منتفعًا أو متمكنًا من الانتفاع فهو برحمة الله من جهات كثيرة وإن حصل هناك ألم فله الأعواض الكثيرة، وهي من نعمة الله تعالى ورحمته فلهذا السبب قال: {وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء} وقال أصحابنا قوله: {وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء} من العام الذي أريد به الخاص، كقوله: {وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَيْء} [النمل: 23].
أما قوله: {فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاوة والذين هم بآياتنا يؤمنون}.
فاعلم أن جميع تكاليف الله محصورة في نوعين: الأول: التروك، وهي الأشياء التي يجب على الإنسان تركها، والاحتراز عنها والاتقاء منها، وهذا النوع إليه الإشارة بقوله: {لّلَّذِينَ يَتَّقُونَ} والثاني: الأفعال وتلك التكاليف إما أن تكون متوجهة على مال الإنسان أو على نفسه.
أما القسم الأول: فهو الزكاة وإليه الإشارة بقوله: {وَيُؤْتُونَ الزكواة}.
وأما القسم الثاني: فيدخل فيه ما يجب على الإنسان علمًا وعملًا أما العلم فالمعرفة، وأما العمل فالإقرار باللسان والعمل بالأركان ويدخل فيها الصلاة وإلى هذا المجموع الإشارة بقوله: {والذين هُم بآياتنا يُؤْمِنُونَ} ونظيره قوله تعالى في أول سورة البقرة: {هُدًى لّلْمُتَّقِينَ الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب وَيُقِيمُونَ الصلاة وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ} [البقرة: 2، 3]. اهـ.

.قال السمرقندي:

{واكتب لَنَا في هذه الدنيا حَسَنَةً} يعني اقض لنا وأعطنا في الدنيا العلم والعبادة والنصرة والرزق الحسن الحلال {وَفِي الآخرة} يعني: وأعطنا في الآخرة حسنة وهي الجنة {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} يعني: تبنا إليك وأقبلنا إليك هكذا قال عكرمة ومجاهد وعطاء وقتادة.
وأصله في اللغة الرجوع من الشيء إلى الشيء {قَالَ عَذَابِى أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء} يعني: هذا عذابي أخصّ به من أشاء من العباد من كان أهلًا لذلك {وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء} إنْ رحمتهم ويقال: إن الزلزلة والرجفة كانتا عذابي، وأنا أنزلتها، وأنا أصيب بالعذاب من أشاء، وما سألت من الغفران فمن رحمتي ورحمتي وسعت كل شيء من كان أهلًا لها.
ويقال: لكل شيء حظ من رحمتي.
وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن قتادة والحسن قالا: ورحمتي التي وسعت كل شيء يعني: وسعت في الدنيا البر والفاجر وفي يوم القيامة للذين اتقوا خاصة.
ويقال: لما نزلت هذه الآية: {وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء} تطاول إبليس، وقال: أنا من تلك الأشياء فأكذبه الله تعالى وآيسه فأنزل قوله: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} يعني: فسأقضيها وسأوجهها للذين يتقون الشرك {وَيُؤْتُونَ الزكواة والذين هُم بآياتنا يُؤْمِنُونَ} فقالت اليهود والنصارى: نحن آمنا بالآيات، وهي التوراة والإنجيل، ونعطي الزكاة فهذه الرحمة لنا فأكذبهم الله تعالى وأنزل {الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبي الأمى} الآية ويقال ورحمتي وسعت كل شيء يعني: طمع كل قوم برحمتي، وأنا أوجبتها للمؤمنين وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين يتقون الشرك، ويؤتون الزكاة، والذين هم بآياتنا يؤمنون، يعني: يصدقون بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن. اهـ.

.قال الثعلبي:

{واكتب لَنَا} أي حقق ووفقنا للأعمال الصالحة يقال: كتب الله عليك السلامة {فِي هذه الدنيا حَسَنَةً} يعني الأعمال الصالحة {وَفِي الآخرة} يعني المغفرة والجنّة {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} قرأ أبو رجزة السعدي: وكان مصححًا من القراء شاعرًا. هدنا بكسر الهاء يقال: هاد يهيد ويهود إذا رجع وتحرك فأدلّه الميل قال الشاعر:
قد علمت سلمى رجلًا ** أني من الناس لها هايد

{قَالَ} الله تعالى: {عذابي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ} من خلقي وقال الحسن وابن السميفع: مَنْ أشاء [......] من الإشاءة {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ} عمّت {كُلَّ شَيْءٍ} قال الحسن وقتادة: إن رحمته في الدنيا وسعت البر والفاجر وهي يوم القيامة للمتّقين خاصة.
وقال عطيّة العوفي: وسعت كل شيء ولكن لا يجيب إلاّ الذين يتقون، وذلك أنّ الكافر يرزق ويدفع عنه بالمؤمن لسعة رحمة الله للمؤمن يعيش فيها، فإذا صار إلى الآخرة وجبت للمؤمنين خاصة كالمسير في كالمستضيء بنار غيره إذا ذهب صاحب السراج بسراجه، قال أبو روق: ورحمتي وسعت كل شيء يعني الرحمة التي قسمها بين الخلائق يعطفه بها بعضهم على بعض، وقال ابن زيد: {ورحمتي وسعت كل شيء} هو التوبة، وقال آخرون: لفظه عام ومعناه خاص لهذه الأُمّة.
وقال ابن عباس وقتادة وابن جرير وأبو بكر الهذلي: لما نزلت هذه الآية: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} قال إبليس: أنا من ذلك الشيء ونزعها الله من إبليس فقال: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزكاة والذين هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} فقالت اليهود والنصارى نحن نتّقي ونؤتي الزكاة ونؤمن بآيات ربنا فنزعها الله منهم وجعلها لهذه الأُمة. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدَّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الأَخِرَةِ}.
في الحسنة هنا ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها النعمة سميت حسنة لحسن موقعها في النفوس.
والثاني: أنها الثناء الصالح.
والثالث: أنها مستحقات الطاعة.
{إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: معناه تبنا إليك، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة، وإبراهيم.
والثاني: رجعنا بالتوبة إليك، لأنه من هاد يهود إذا رجع، قاله علي بن عيسى.
والثالث: يعني تقربنا بالتوبة إليك من قولهم: ما له عند فلان هوادة، أي ليس له عنده سبب يقربه منه، قاله ابن بحر.
{قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ} وفيه قولان:
أحدهما: من أشاء من خلقي كما أصيب به قومك.
الثاني: من أشاء في التعجيل والتأخير.
{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} فيها ثلاثة تأويلات:
أحدها: أن مخرجها عام ومعناها خاص، تأويل ذلك: ورحمتي وسعت المؤمنين بي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} الآية قاله ابن عباس.
والثاني: أنها على العموم في الدنيا والخصوص في الآخرة، وتأويل ذلك: ورحمتي وسعت في الدنيا البر والفاجر، وفي الآخرة هي للذين اتقوا خاصة، قاله الحسن، وقتادة.
والثالث: أنها التوبة، وهي على العموم، قاله ابن زيد.
{فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} فيه قولان:
أحدهما: يتقون الشرك، قاله ابن عباس.
والثاني: يتقون المعاصي، قاله قتادة.
{وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} فيها قولان:
أحدهما: أنها زكاة أموالهم لأنها من أشق فرائضهم، وهذا قول الجمهور. والثاني: معناه أي يطيعون الله ورسوله، قاله ابن عباس والحسن، وذهبا إلى أنه العمل بما يزكي النفس ويطهرها من صالحات الأعمال.
فأما المكنّى عنه بالهاء التي في قوله: {فَسَأَكْتُبُهَا} فقد قيل إن موسى لما انطلق بوفد بني إسرائيل كلّمه الله وقال: إني قد بسطت لهم الأرض طهورًا ومساجد يصلون فيها حيث أدركتهم الصلاة إلا عند مرحاض أو قبر أو حمّام، وجعلت السكينة في قلوبهم، وجعلتهم يقرؤون التوراة عن ظهر ألسنهم، قال فذكر موسى ذلك لبني إسرائيل، فقالوا لا نستطيع حمل السكينة في قلوبنا فاجعلها لنا في تابوت، ولا نقرأ التوراة إلا نظرًا، ولا نصلي إلا في السكينة، فقال الله تعالى: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} يعني ما مضى من السكينة والصلاة والقراءة. اهـ.